المستفاد من روايات و أحاديث المعصومين عليهم السلام أنّ ما يميّز شهر رمضان المبارك ويعطيه القيمة والشأن هو وجود ليلة القدر فيه، فهذه الليلة هي التي رفعت شهر رمضان وفضَّلته على الشهور.
وشهر رمضان هو أحد أهمّ المِنن الإلهيّة التي تفضّل الله بها على عباده كل عام؛ فهو محفوف بآثار الصيام وبركاته التي يزداد معها ارتباط العبد بربّه؛ لما يؤدّيه هذا العمل من قطع للتعلّقات الحيوانيّة، بينما يقلّ نصيبه من ذلك في سائر الأوقات؛ ولذا نجد أنّ العظماء من أهل المعرفة كانوا يقضون الأشهر الثلاثة ـ رجب و شعبان و رمضان ـ صائمين، كما يُنقل ذلك عن رسول الله صلّى الله عليه وآله و سلّم أيضاً.
إنّ هذه الظروف هي التي تعِدّ الإنسان وتهيّؤه لتلقّي النفحات القدسيّة؛ فمن المشهود الملموس بوضوح ما يرافق أوقات الجوع و الصيام من اجتناب للمعاصي، وابتعاد عمّا يسخط الله، ومن تجرّد للنفس عن الشهوات والغَفَلات.
وعلى السلاّك إلى الله أن يلتفتوا إلى قيمة هذه الأشهر الثلاثة وخصوصاً شهر رمضان المبارك، و يبالغوا في الاهتمام بمراقبة الأفعال والأقوال والأفكار، فالمراقبة الأشدّ توجب تجرّداً للنفس، ما يعني قرباً أكثر، واستفاضة أكبر من أنوار البهاء الإلهيّ.
وقد كان العظماء يوصون تلامذتهم و أنفسهم بالحذر من التفكير في ما يخالف مرضاة الله، وكانوا يعدّون ذلك موجباً لكدورة النفس، والحرمان من تلقّي الفيوضات الخاصّة؛ فلهو الحديث ولغوه، و حشو الذهن بالأخبار و الصور، والتخمة من الطعام وقتي الإفطار والسَحَر، ومعاشرة أهل الدنيا، و السهرات المفوّتة للفرص والمتلفة للأوقات، والشجار على الأمور التافهة التي لا طائل منها، والتدخّل في عيوب الآخرين، و الغفلة عن عيوب النفس ، وعدم مراعاة الضوابط في العلاقات الاجتماعية و المعاملات اليوميّة، والمشاركة في المجالس و الهيئات التي يغلب عليها التفاخر و اتّباع ما تهوى الأنفس، والتي يسعى القيّمون عليها إلى إضفاء رونق خاصّ على مجالسهم ومحافلهم من خلال إثارة الضجيج و الضوضاء، أو إحداث الازدحام و الجلبة، وبثّ الإعلانات و الدعاية في وسائل الإعلام العامة۱، كلّ ذلك سيجعل الإنسان محروماً إلى أبعد الحدود من فيوضات هذا الشهر العظيم ونفحاته القدسيّة، ومن هذه الفرصة الاستثنائية التي لا تعوّض.